Sunday, August 8, 2010

كيفما تكونوا يولى عليكم


كيفما تكونوا يولى عليكم

بقلم- راشد الراشد - كاتب بحريني

قصة طريفة تعكس ما تعكس من حجم ما وصلت إليه الأمور في عقولنا التي أختلط عليها المعقول باللامعقول في عالم المناكافات والمماحكات السياسية ، فنهرول في الإتجاهات فقط التي يريد أهل الحكم والسلطة لنا أن نهرول ناحيتها حتى ولو كان على حساب آدميتنا وكرامتنا ، ونحن أشبه بالموات فنشييد عروشا للطغيان بغض الطرف عن طغيانهم وظلمهم وعسفهم وجورهم وذلك عبر دعم مشاريعهم في السيطرة وتمكينهم من ممارسة المزيد من الإذلال والتهميش والإقصاء ، ثم يدعونا المستبد لمؤازرته في الدخول في إطار سلطته المستبدة ، فنهرول مسرعين إلى ذلك وعلى جماجم فلاذات أكبادنا الذين راحو ضحية الدفاع عن حريتنا وكرامتنا ودون أن نحدث أنفسنا عن مسؤوليتنا تجاه ذلك . ونعطي للحاكم الظالم الشرعية ونهبها له صاغرين مذعنين وكأنها مشيئة الخالق وأنه قدرنا الذي يجب أن نرخي له أعراضنا ونوامسينا وكرامتنا وشرفنا لكي يدوسه الحاكم الظالم والطاغوت المتعجرف علنا وجهارا وعلى مرأى منا ثم المطلوب منا هو مباركته عبر الدخول في نظامه السياسي بالطريقة التي يريدها هو لتدعيم عرشه وتكريس سلطانه علينا . فنبتهل إلى الله بقبول الطاعات ونحن نعطي للحاكم الظالم المستبد الشرعية على ظلمنا واستعبادنا واستحمارنا وإذلالنا وإهانتنا في كل لحظة وعند كل زاوية في حياتنا ...

وهذه هي القصة .

تبدأ القصة في زاوية قصية .. وبعيد عن أعين الإعلام ... حيث كان الجزار يحد سكينه ويجهز كلاليبه ... في تلك اللحظة كانت الخراف في الزريبة تعيش وتاكل وتشرب وكأنها قد جاءت الى تلك الزريبة بضمان الخلود.
دخل الجزار فجأة الى وسط الزريبة فأدركت "الخرفان" بحسها الفطري أن الموت قادم لامحالة. وقع الاختيار على احد الخراف .. وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه الى خارج الزريبة ... ولكن ذلك الكبش كان فتيا في السن ذو بنية قوية وجسما ممتلئا وقرنين قويين ... وقد شعر برهبة الحدث .. وجبن الموقف ..وهو يقاد الى الموت ... فنسي الوصية رقم واحد من دستور القطيع ... وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة في ذلك الدستور ... وكان قد سمع تلك الوصية قبل ساعات من كبار الخرفان في الزريبة .... وكانت الوصية تقول :- حينما تقع عليك اختيار الجزار فلا تقاوم فهذا لن ينفعك بل سيغضب منك الجزار ويعرض حياتك وحياة افراد القطيع الآخرين للخطر!!!
قال هذا الكبش في نفسه : هذه وصية باطلة ودستور غبي لاينطلي حتى على قطيع الخنازير ..فكيف بنا نحن الخراف ونحن أشرف وأطهر..... فاذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف... فلا أعتقد انها ستضرني... اما قولهم ان مقاومتي ستغضب الجزار وقد يقتل جميع الخرفان ...فهذا من الغباء... فما جاء بنا هذا الجزار الى هذه الزريبة الا وقد أعد عدته ورسم خطته ليذبحنا واحدا بعد الاخر.... فمقاومتي قد تفيد ولكنها بلا شك لن تضر.
انتفض ذلك الكبش انتفاضة الاسد الهصور.... وفاجأ الجزار..... واستطاع ان يهرب من بين يديه ليدخل في وسط القطيع حيث نجح في الافلات من الموت الذي كان ينتظره. لم يكترث الجزار بما حدث كثيرا... فالزريبة مكتظة بالخراف ولاداعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك الكبش الهارب.....
أمسك الجزار بخروف اخر ولكنه كان مسالما ومستسلما وجره من قرنيه وخرج به من الزريبة... ولم يبد اية مقاومة..... الا صوتا خافتا يودع فيه بقية القطيع. نال ذلك الخروف اعجاب جميع الخرفان في الزريبة... وكانت جميعها تثني عليه بصوت مرتفع وتهتف باسمه... ولم تتوقف عن الهتاف حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري وهو يقول: بسم الله والله أكبر.
خيم الصمت على الجميع ....وخاصة بعد ان وصلت رائحة الموت الى الزريبة. ولكنهم سرعان ماعادوا الى اكلهم وشربهم مستسلمين لمصيرهم الذي يرفض أي فكرة لمقاومة الجزار. وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحدا بعد الاخر... وفي كل مرة ياتي الجزار ليأخذ احدهم لاتنسى بقية الخراف بان توصيه على الموت على دستور القطيع "لا ثم لا للمقاومه" ...!!
وكان الجزار وتوفيرا للوقت والجهد.... اذا وجد خروفا هادئا مطيعا... فانه يأخذ معه خروفا اخر. وكل مازاد عدد الخراف المستسلمة ... زاد طمع الجزار في أخذ عدد اكبر في المرة الواحدة... حتى وصل به الحال أن يمسك خروفا واحدا بيده وينادي خروفين اخرين او ثلاثة او اكثر لتسير خلف هذا الخروف الى المسلخ ... وتنساق خلف بعضها تحت أهم مادة في الدستور "لا ثم لا للمقاومة" ، وهو يقول: يالها من خراف مسالمة... لم احترم خرافا من قبل قدر ما احترم هذه الخراف ... انها فعلا خراف تستحق الاحترام.
كان الجزار من قبل يتجنب أن يذبح خروفا امام الخراف الاخرى حتى لايثير غضبها وخوفا من أن تقوم تلك الخراف بالقفز من فوق سياج الزريبة والهرب بعيدا... ولكنه حينما رأى استسلامها المطلق .. أدرك أنه كان يكلف نفسه فوق طاقته... وان خرافه تلك تملك من القناعة بمصيرها المحتوم ما يمنعها من المطالبة بمزيد من الحقوق... فصار يجمع الخراف بجانب بعضها... ويقوم بحد السكين مرة واحدة فقط ... ثم يقوم بسدحها وذبحها... والاحياء منها تشاهد من سبقت اليهم سكين الجزار... ولكن... كانت الوصية من دستور القطيع تقف حائلا امام أي احد يحاول المقاومة او الهروب... "لا تقاوم"...
في مساء ذلك اليوم وبعد أن تعب الجزار وذهب لاخذ قسط من الراحة ليكمل في الصباح ما بدأه ذلك اليوم ... كان الكبش الشاب قد فكر في طريقة للخروج من زريبة الموت واخراج بقية القطيع معه كانت الخراف تنظر الى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي مندهشة من جرأته وتهوره. لم يكن ذلك الحاجز الخشبي قويا...... فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب.
وبعد المحاولة وجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة.... وهو لم يكد يصدق عينيه... صاح في رفاقه داخل الزريبة للخروج والهرب معه قبل أن يطلع الصباح ولكن كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع .. وكانت الطامة الكبرى بأن الرفاق كانوا جميعا يشتمون ذلك الكبش ويلعنونه و يرتعدون خوفا من أن يكتشف الجزار ماحدث...
وقف ذلك الكبش الشجاع ينظر الى القطيع..... في انتظار قرارهم الاخير...
تحدث افراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش من الخروج من الزريبة والنجاة بانفسهم من سكين الجزار... وجاء القرار النهائي بالاجماع مخيبا ومفاجئا للكبش الشجاع ... حيث قرروا بالإجماع على عدم الفرار والحكم بالإعدام على الكبش المقاوم لأنه إنتهك دستور "لا للمقاومة" ، فأنهالوا عليه نطحا ورفسا حتى مزقوه إربا إربا وفارقت روحه الحياة ..!
في صباح اليوم التالي .....جاء الجزار الى الزريبة ليكمل عمله... فكانت المفاجأة مذهلة... سياج الزريبة مكسور... ولكن القطيع موجود داخل الزريبة ولم يهرب منه أحد...... ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأى في وسط الزريبة خروفا ميتا... وكان جسده مثخنا بالجراح وكأنه تعرض للنطح... نظر اليه ليعرف حقيقة ماحدث.... صاح الجزار... ياالله ... انه ذلك الكبش القوي الذي هرب مني يوم بالأمس!!!
نظرت الخراف الى الجزار بعيون الامل ونظرات الاعتزاز والفخر بما فعلته مع ذلك الخروف "الارهابي" الذي حاول أن يفسد علاقة الجزار بالقطيع ويعرض حياتهم للخطر! كانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف... حتى أنه صار يحدث القطيع بكلمات الاعجاب والثناء وبدأ ينزل عليهم من مكرماته العظام :
أيها القطيع .. كم افتخر بكم وكم يزيد احترامي لكم في كل مرة اتعامل معكم...
ايها الخراف الجميلة ...لدي خبر سعيد سيسركم جميعا... وذلك تقديرا مني لتعاونكم منقطع النظير... أنني وبداية من هذا الصباح... لن أقدم على سحب أي واحد منكم الى المسلخ بالقوة... كما كنت أفعل من قبل... فقد اكتشفت انني كنت قاسيا عليكم وان ذلك يجرح كرامتكم.... وكل ما عليكم أن تفعلونه يا خرافي الاعزاء أن تنظروا الى تلك السكين المعلقة على باب المسلخ... فاذا لم تروها معلقة فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المسلخ... فليأت كل واحد منكم بعد الاخر... وإعدكم بأن جلودكم التي سوف نسلخها سوف لن نصدرها للخارج . وفي الختام لا انسى أن اشيد بدستوركم العظيم ...... "لا للمقاومة"...!!!
انتهت القصة وهنا ياتي السؤال : ما هو أصل هذه الخراف ؟

والجواب :
"كيفما تكونوا يولى عليكم" !
http://www.alsanabis.com/index.php?show=art&newsID=6492

لا تشرعوا ولا تشرعنوا للفساد والإستبداد في البحرين


لا "تشرَعوا" ولا "تشرعنوا" للفساد والإستبداد

بقلم: الدكتور راشد الراشد
البحرين


يبدو المشهد السياسي كوميديا بإمتياز بالذات عندما يقرر البعض منا شرعنة الإنتخابات المسخ ويقوم بتعزيز ديمقراطية غير موجودة . لقد كانت آمالنا جميعا معلقة على جدية مشروع الخروج من عنق زجاجة الأوضاع الأمنية الخانقة التي عاشتها بلادنا خلال عقود مديدة ، والإنطلاق من ربقة السجون والتعذيب وصنوف الإنتهاكات إلى فسحة العيش المشترك على تراب هذا الوطن ، إلا أنه بعد مرور زهاء العقد من الزمن على هذه التجربة ، ولكن بلحاظ ما هو قائم على أرض الواقع فإن التجربة لم تورث لنا سوى المثالب والأوجاع وذلك بصورة غير مسبوقة في تاريخنا برمته .فقد أزدادت معدلات الفقر بدرجة قياسية بسبب استراتيجة السلطة في إقصاء "الشيعة" وهم المواطنون الأصليون على تراب هذا الوطن وتهميشهم وإذلالهم عبر مختلف الوسائل والأساليب .مع ملاحظة أن "السنة" الآن ليسوا بأحسن حال مما يعانية "الشيعة" بعد تنفيذ خطة الإحلال للمجنسين التي تضرر بها الوطن برمته بشكل عام ووقع الضرر فيها بصورة أكبر وأخص على "السنة" الذين كانوا في السابق يتمتعون بجميع الإمتيازات على حساب شركائهم في الوطن من "الشيعة" . وتجاوزت ممارسات السلطة حدود المعقول في استراتيجة احلال المواطنين بالمجنسين وتفضيلهم وتقديمهم في الوظائف والخدمات العامة التي تقدمها الدول لرعاياها وذلك على حساب المواطنين أصحاب الأرض والذين لم يعرفوا في تاريخهم وطننا غيره ، وتجاوزت الإنتهاكات السافرة للسلطة أبسط معايير حقوق الآدميين ، وأسقطت بممارساتها في كل الإتجاهات كل المعايير الوطنية والأخلاقية . فيما بدأ المجنسون يمارسون دور الوصاية والمراقبة و"التأديب" و "التعليم" لأبناء هذا الوطن .بينما أصبح "الفساد" بإمتياز سمة بارزة للسلطة .. ووصلت إلى حد اسقاطها لأية معايير آدمية وأخلاقية في الإستحواذ والإستئثار بمقدرات هذا البلد وخيراته وثرواته وهي تقوم جهارا بتوظيف السلطة وقوة نفوذها لا من أجل رعاية مصالح هذا الوطن وإنما جعل الدولة بأكملها مصدرا من مصادر الثراء والسيطرة والإستئثار المطلق بالحكم .وضاقت الجزيرة بما رحبت وأصبحت تأن تحت سطوة "المتنفذين" وجشعهم ، فإنهم لم يبقوا برا ولا بحرا . وأصبحت جزيرتنا الغنية بسواحلها أشبه بالأراضي القفار في وسط الصحراء فلا سواحل ولا أراضي تملكها الدولة . بينما أصبح التمييز الطائفي سمة وميزة فاضحة في التوظيف وسائر المميزات ، ولا أجد ما يسعفني في قواميس اللغة ما يصف حالة التمييز الحاصلة في العقد الأخير بين المجنسين من جهة والمواطنين الأصليين من "السنة" ، فهذا نوع جديد من التمييز ، يأتي هذه المرة ليس على الأساس الطائفي وإنما على أساس آخر ربما لايفقهه إلا الذين قاموا بالتخطيط والتنفيذ لهذه الإستراتيجية المدمرة للوطن . وأجزم بأنه أساس تدمير هذا الوطن والقضاء على أركان وجوده .وبينما تقوم السلطة بكل ذلك .. وتعمد إلى الإقصاء والتهميش .. أصيبت المعارضة بنكسة صحية أفقدتها توازنها ، وبدأت تتحدث عن الإنتخابات والمشاركة فيها وكأننا أمام ديمقراطية حقيقية وسلطة نزيهة . والحقيقة إن المشاركة في ظل أوضاع تتسم بما هو قائم على أرض الواقع وبما تصدقه الأرقام من فساد وتهميش وإقصاء ، بالإضافة إلى إحتكار السلطة بهذا الشكل المريع والذي لا يوجد له في العالم مثيل أو نظير والإستفراد المطلق بالحكم والإستئثار بموارد هذه الوطن والتحكم في البلاد والعباد بهذه الصورة المثيرة للإشمئزاز والغثيان ، هو خطأ وخطيئة .فليس من المنطقي أن نواصل دعم ومساندة مشروع يكرس حالة الطغيان والإستفراد بالسلطة ويعزز كوننا حفنة من العبيد أو قطيع من الخراف والأغنام ..كما ليس من المنطقي المشاركة في سلطة تقوم برصد الميزانيات الضخمة لتحطيمنا وتجلب لنا المرتزقة من أراذل الخلق لإذلالنا ثم نسعى بصورة فانتازية وكوميديانية لنصدق بأن هناك ديمقراطية ومشاركة ومواطنة .إن التهافت للمشاركة في الإنتخابات لدعم العملية السياسية وهي متنمرة في إقصائنا وتهميشنا وإذلالنا هو مشاركة في وزر ما يحدث . إن بيع الوهم على الناس من خلال جرعات تخدير متعاقبة يكسب أهل السلطة الوقت ليس إلا ، ويهديها كل الإمكانات لحرق ما تبقى من رماد هذا الوطن .ليس من المنطقي أن نواصل هذا التفكير والعبث بحاضر ومستقبل هذا الوطن بالمزيد من الهروب الى الأمام بدل إتخاذ موقف مسؤول يساعدنا على تقوية مواقفنا تجاه الإستحقاقات الوطنية . إن الخطر الحقيقي الذي يكمن وراء المشاركة في ظل الأوضاع الراهنة الحاكمة هو الشرعنة .. وبما يعني تمكين السلطة من الإستمرار في نهجها وتكريس الحالة الراهنة كديقراطية حقيقية بالأمر الواقع .كلنا يتطلع إلى المشاركة ولكن عندما تكون عنوانا لواقع قائم ، أما عندما يكون مجرد عنوان أو لون لتغطية الإستبداد والطغيان فإن المشاركة ستكون حوبا كبيرا . ولا سبيل هنا لإقناعنا بديمقراطية ليست موجودة .. وكفى بيعا للأوهام ...إننا كشعب لازلنا لم نفقد القدرة على وضع الخطط البديلة إزاء تعنت السلطة ولفرض إصلاحات وتغييرات حقيقية وليست ديكورية لتجميل وجه السلطة .وهنا نقول إن مجرد حسن النوايا لم تؤدي بهذا الوطن إلا إلى المزيد من التهميش والإقصاء والفساد .. وهذه حقيقة قائمة على أرض الواقع نلمسها جميعا . ولا داعي للمكابرة بشأن نقيضها . فالوطن يأن تحت وطأت فساد كبير وإحتكار مفرط للسلطة والجميع يعلم بأن "الوطن والمواطن" هو الغائب الأكبر من أجندة السلطة الحالية فغاية من هم في السلطة إمتيازات الحكم ليس إلا .ونضيف على ذلك بأن السلطة لا تعاملنا كمواطنين لنا حقوق المواطنة وإلا لما جلبت لنا المرتزقة من أراذل الخلق لتجعلهم علينا سادة وقادة ومعلمين . وأي ذل أكبر من هذا . وهل نكافئها على ذلك بالمشاركة وإعطاء شرعية لممارستها الظالمة في إقصائنا وتهميشنا وفوق ذلك إذلالنا .فلا تشرعوا ولا تشرعنوا إستمرار هذا العيب وإلا تحملتم وزر كل ما يجري ..وتذكروا قول الباري عزوجل: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" الآية .وأخيرا سلام عليك سيدي ولك علينا حق الإعتذار فربما نسينا أو تناسينا أعظم وأنبل ما فيك ، فقد أشحنا بنظرنا عن نداءاتك للإنسانية والتاريخ وأنت تعلن عن موقفك بكل وضوح عندما طلب منك شرعنة نظام آل زياد : "والله لا أعطيكم بيدي أعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد " .ولك العذر سيدي مرة أخرى عندما حولنا كل تطلعاتك في عاشوراء إلى مجرد هتافات شكلية بعيدة عن الحياة لا طعم لها ولا لون .. فقد أردت أن تبعث فينا الحياة ولكننا أبينا إلا أننا نعيش الذل والضيم والهوان بينما نردد شعاراتك ليل نهار وأنت تعلمنا درسا كلفته كانت دماؤك الزكية الطاهرة ، وقد استرخصنا دمك عندما اكتفينا بالإحتفاء بك في المهرجانات .


هل يحمينا الإذعان من الظلم ؟


هل يحمينا الإذعان مـن الظلـم

يحكى أن فلاحا أجيرا أصاب ثروة طائلة فاشترى قاربا كبيرا (من النوع الذى يسمونه فى الريف «ذهبية») ثم ارتدى ثيابا أنيقة غالية الثمن وجلس فى الذهبية وهى تنساب على سطح النيل، عندئذ رآه صاحب الأرض التى يعمل فيها وكان رجلا متغطرسا قاسى القلب، فأمر عماله الذين هجموا على الذهبية وقبضوا على الفلاح وأحضروه أمام صاحب الأرض ودار بينهما الحوار التالى: ــ صاحب الأرض: منذ متى كان الفلاح يركب ذهبية جديدة؟! الفلاح: هذه النعمة من رحمتك وعدلك وإحسانك يا سيدى. وهذا شىء يسركم يا سيدى لأنه من فضلك ومن خيرك. ــ صاحب الأرض: كيف يجوز للفلاحين أن يتشبهوا بأسيادهم ويركبوا ذهبيات؟ الفلاح: معاذ الله أن أتشبه بأسيادى فمن أكون؟! أنا عبد من عبيدكم وكل ما أكسبه هو فى النهاية ملك لكم.ــ صاحب الأرض: إذا كنت لا تريد أن تتشبه بنا فلماذا اشتريت ذهبية وركبتها فى النيل كأنك من أسياد البلد؟! أتريد أن يراك الفلاحون فيعتقدون أنك صاحب شأن ومقام؟!الفلاح: أستغفر الله ياسيدى.. إن كنتم ترون فيما فعلته عيبا فأنا أشهد الله ورسوله ألا أعود أبدا إلى ركوب هذه الذهبية. تبت على يديك يا سيدى. أرجوك اقبل توبتى. ــ صاحب الأرض: توبتك مقبولة لكنى سأفعل بك ما يجعلك لا تكرر خطأك بعد ذلك أبدا. ثم أمر صاحب الأرض الخدم فقيدوا الفلاح وسحلوه على الأرض حتى لطخوا ثيابه الجديدة بالوحل ومزقوها ثم أخذوا يضربونه حتى سال الدم من ركبتيه ورجليه وظهره.. بينما صاحب الأرض يضحك ويردد: هكذا لن تنسى أبدا مقامك الوضيع يا فلاح. هذه الواقعة حدثت بالفعل فى واحدة من قرى مصر فى مطلع القرن العشرين، وقد حكاها الكاتب الكبير أحمد أمين فى كتابه الرائع «قاموس العادات والتقاليد المصرية» (الصادر عن دار الشروق).. وهى تعكس فى رأيى نمطا شائعا من العلاقة بين المستبد وضحاياه.. فهذا الفلاح كان يدرك بلا شك أن من حقه أن يركب الذهبية لأنه اشتراها من حر ماله ومن حقه أيضا أن يرتدى ما شاء من ثياب.كان الفلاح يدرك أنه لم يرتكب أى خطأ لكنه رأى من الحكمة أن يعتذر لصاحب الأرض ويعلن توبته عن ذنب لم يقترفه. لقد بالغ الفلاح فى إذلال نفسه حتى يفلت من الظلم ولكنه بعدما أهدر كرامته تماما تلقى نصيبه من الضرب والسحل والمهانة.. وهكذا نرى أن الإذعان لم يمنع عنه الظلم ولو أنه وقف بشجاعة أمام صاحب الأرض ليدافع عن حقه فى أن يعامل كإنسان لكان على الأقل احتفظ بكرامته ولما أصابه من شجاعته أسوأ مما أصابه بإذعانه.هذا المعنى أتذكره وأنا أتابع ما يحدث فى مصر هذه الأيام. فقد نشأت أجيال من المصريين على اعتقاد راسخ بأن الاذعان للظلم هو قمة الحكمة وأن الانحناء والتذلل لصاحب السلطة خير وسيلة لاتقاء شروره.. اعتقد المصريون طويلا ان الاعتراض على نظام الاستبداد ليس الا حماقة لن تغير الأوضاع إلى الأحسن أبدا، كما أنها كفيلة بإضاعة مستقبل كل من يقاوم الظلم واعتقاله وتعذيبه وربما قتله.اعتقد المصريون أن التعايش مع الحاكم الظالم سينجيهم من شره واطمأنوا إلى أن آلة القمع الجبارة التى يملكها النظام لا تتحرك أبدا إلا لتسحق من يعترض عليها أما من ينحنى ويذعن وينصرف إلى أكل عيشه وتربية أولاده فلن يصيبه النظام بضرر أبدا بل انه سيحميه ويرعاه. لكنهم ينتبهون الآن، ربما لأول مرة خلال عقود، إلى حقيقة أن الاذعان والسكوت عن الحق والتذلل للظالمين، كل ذلك لا يمنع الظلم أبدا بل كثيرا ما يضاعفه.ان الشاب خالد محمد سعيد من مدينة الإسكندرية لم يكن له أى نشاط عام، لم يكن عضوا فى أى جبهة أو حركة تستهدف تغيير النظام بل لعله لم يشترك فى مظاهرة فى حياته. كان خالد شابا مصريا مسالما تماما، يحلم مثل ملايين المصريين بأن يهرب بأى طريقة من وطنه الظالم إلى أى بلد يعيش فيه بحرية وكرامة.كان ينتظر حصوله على جواز سفر أمريكى مثل اخوته ليترك مصر إلى الأبد. وفى ذلك المساء توجه إلى مقهى للإنترنت ليقضى بعض الوقت كما يفعل ملايين الناس. لم يرتكب جريمة ولم يخالف القانون لكنه ما إن دخل إلى المقهى حتى انقض عليه اثنان من المخبرين وبدون كلمة واحدة، راحا يضربانه ببشاعة ويخبطان رأسه فى حافة المائدة الرخامية بكل ما يملكانه من قوة ثم سحلاه إلى خارج المقهى ودخلا به إلى عمارة مجاورة وظلا يضربانه ويخبطان رأسه فى بوابة العمارة الحديدية حتى تحقق لهما ما أرادا.فقد تهشمت جمجمة خالد ومات بين أيديهما وبغض النظر عن السبب الحقيقى وراء هذه المجزرة البشعة وبغض النظر أيضا عن البيانات المتلاحقة من وزارة الداخلية لتفسير الجريمة، التى تبين أنها كلها غير صحيحة.. فإن المغزى الواضح لهذه المجزرة ان الاذعان لم يعد كافيا لحماية المصريين من القمع. لقد تم ضرب خالد سعيد بنفس الطريقة التى يتم بها ضرب الشبان المتظاهرين من أجل الحرية. لا فرق. لم يعد القمع فى مصر يفرق بين المتظاهرين والمعتصمين وبين الجالسين على المقاهى والنائمين فى بيوتهم.ان قتل خالد سعيد بهذه البشاعة وإفلات القتلة من العقاب يدل ببساطة على أن أى ضابط شرطة أو حتى أى مخبر يستطيع أن يقتل من يشاء من المواطنين ولسوف تتحرك أجهزة الاستبداد فورا لتبرئة القاتل بوسائل كثيرة وفعالة فى ظل قانون الطوارئ وعدم استقلال القضاء عن رئاسة الدولة.ان ملايين المصريين الذين بكوا عندما رأوا صورة خالد سعيد وقد تهشمت جمجمته وتناثرت أسنانه وتمزق وجهه من أثر المذبحة، كانوا يبكون ليس فقط تعاطفا مع الشهيد وأمه المسكينة وإنما لأنهم تخيلوا أن وجوه أولادهم قد تكون غدا مكان صورة خالد سعيد. ولعل صورة شهادة الخدمة العسكرية لخالد سعيد المنشورة فى الصحف بجوار صورة جثته المشوهة تعكس الحقيقة المحزنة: ان مصر صارت تفعل بأبنائها ما لم يفعله الأعداء. ان مصير خالد سعيد قد يحدث لأى مصرى بل انه حدث بالفعل لمئات الآلاف من المصريين: فالذين غرقوا فى عبارات الموت والذين انهارت على رءوسهم العمارات بسبب التراخيص الفاسدة ومواد البناء المغشوشة والذين ماتوا من أمراض إصابتهم من الأغذية الفاسدة التى استوردها الكبار والمنتحرون يأسا من المستقبل والشبان الجامعيون الذين حاولوا الهروب لينظفوا المراحيض فى أوروبا فسقطت بهم قوارب الموت وغرقوا..كل هؤلاء كانوا مواطنين مسالمين تماما ولم يدر بأذهانهم قط أن يقاوموا الاستبداد لكنهم اعتقدوا، تماما مثل الفلاح فى الحكاية، أن باستطاعتهم أن يتعايشوا مع الظلم وينحنوا أمام الظالم ثم ينشئوا عالمهم الصغير الآمن لهم وأولادهم، لكنهم جميعا فقدوا حياتهم بسبب النظام الذى خافوا من مواجهته. أى أن ما حدث لهم جراء الاذعان والخضوع هو بالضبط ما كانوا يخشون وقوعه إذا احتجوا وثاروا.. ان حالة الاحتجاجات الشاملة التى تجتاح مصر الآن من أقصاها إلى أقصاها، تعود بالأساس إلى أن حياة ملايين الفقراء التى كانت صعبة أصبحت مستحيلة، لكن السبب الأهم لهذا الاحتجاج العنيف ادراك المصريين أن السكوت عن الحق لن يحميهم من الظلم.. لقد جرب المصريون طريقة الحل الفردى على مدى ثلاثين عاما..فكان المصرى يهرب من جحيم بلاده إلى دول الخليج حيث كثيرا ما يتحمل نوعا جديدا من الاذلال والقهر ويعود بعد سنوات ببعض المال يمكنه من الحياة المريحة بعيدا عن السياق العام لمعاناة المصريين. هذه الحلول الفردية لم تعد تجدى وأصبح المصريون محاصرين فى بلادهم. وقد أدركوا أخيرا الدرس الذى لم يفهمه الفلاح فى الحكاية، ان عواقب الشجاعة ليست أبدا أسوأ من عواقب الخوف وأن الوسيلة الوحيدة للنجاة من الحاكم الظالم هى مواجهته بكل ما نملك من قوة.
الديمقراطية هى الحل

يونيو 2010 23:09